الراعي وبنت الشيخ

قلب الاسد الأحد مارس 15, 2009 3:00 pm

القصة من الموروث الشعبي ، كتبتها من الذاكرة

قيل و العهدة على الراوي :

أن رجلاً شاباً من أبناء الأرياف

اختلف مع أقارب له فقتل أحدهم

مما اظطره إلى مغادرة ديرته

و قادته خطاه إلى إحدى قبائل البدو

فقصّ على شيخ القبيلة قصته

لكنه أخفى حقيقة اسمه وتفاصيل عشيرته وديرته

خوفاً من اقتفاء أثره من قبل أهل القتيل للثأر منه

وبعد مدة طلب من الشيخ أن يسمح له برعي قطيع الإبل

إذ أنه شابٌ نشيط وقوي ولا يريد أن يبقى دون عمل

وافق الشيخ على طلبه

وكما هي حال البدو ترحال دائم طلباً للماء والكلأ

ففي ذات يوم أوعز الشيخ إلى راعي إبله

أن يعقل الراوحل ويسرح بالـ(عفو)

وأمره أن يتقدم ظعون القبيلة صوب ديرة الربيع

كان الراعي يجهل البوادي ومسالكها

فحرص على أن يستذكر توجيهات الشيخ

ولكن شاءت إرادة المولى

أن يغطي المنطقة ضبابٌ كثيفٌ

جعل نهارها وليلها سواء

ولم ينكشف الضباب إلا بعد أربعة أيام بلياليها

أمضاها الراعي وقطيعه في السير على غير هدى

وفي صبيحة اليوم الخامس تفقد الإبل ليجد

جملاً تركبه فتاة إنها ابنة الشيخ صاحب الإبل

وإنها لسوء حظها ركبت جملاً لم يكن من الرواحل المعتادة

على السير مع ظعن القبيلة

لذا فإنه ما أن خيم الضباب عليهم

حتى عدا بها الجمل مسرعاً ليلحق بالسرح

احتار الراعي بأمره

وطلب المشورة والأوامر من ابنة الشيخ

فأمرته بالمكوث في مكانهم

ريثما يكتب الله لهم اللقاء مع أهلها

فلا بد أنهم سيجدّون في طلبهم

طالت الليالي ولم يصل أحد من أبناء القبيلة

الذين ضاعت جهود بحثهم مع سعة البوادي

وتشعب الأودية وامتداد الهضاب

فقد خمنوا أن يكون القطيع تعرض لنهب الغزاة

ولكن لا أثر ولا علامة

كما ساورتهم الشكوك حول الراعي

فأرسلوا من يتقصى الأمر في ديرته دون جدوى

خصوصاً أنه لم يفصح عن حقيقة أمره كاملة

فعادوا إلى شيخهم وقبيلتهم

وأسلموا الأمر لله تعالى

أما الراعي فقد نفذ ما عنده من زاد

ولم يبق إلا مايحلبه من النوق وما يصطاده من طيور وحيوانات

بما يتيسر من وسائل و أدوات فيطعم ابنة الشيخ ويقتات هو

ومع انقطاع الأمطار أمرته ابنة الشيخ

بالنزول عند فيضة ماء تحيط بها أرض معشبة

و أشجارها عامرة ولم ينقطع رجاها

في أن تلتقي بقومها حيث يسعى أهل الأبل

لمثل تلك الفياض أواخر الربيع

طال المكوث حول الفيضة حتى كادت تجف

وصارت الإبل إذا وردتها تخبط ماءها فيزداد عطنها

في هذه الأثناء كانت إبنة الشيخ قد أمرت الراعي

أن يذبح بعض القعدان

فيأكلوا من لحمها ويدهنوا بشحمها

وتصنع من جلودها قرباً

تدبغها بتراب الأراضي السبخة لملوحته

ثم يملؤها الراعي بالماء

وقد سألت الراعي عن ( الفلانات) من نوق أبيها

فأشار الراعي إلى واحدة منهن

فطلبت منه أن يعقلها ويمنعها من الشرب

وأن يعطيها بعض أشجار البرية طعاماً

وبعد أيام ساعدته في حمل قرب الماء على ظهور الأبل

مستخدمين حبالاً صنعوها من الوبر

ثم طلبت منه حل عقال الناقة وتركها تسيرعلى هواها

و أن يتبعها مع القطيع وهذا ما كان

كانت الناقة تتوقف قليلاً للرعي

ويسقيها وبقية القطيع مما حمله من ماء في القرب

وواصلت السير ليلاً نهاراً

ثم باتت تكمن في النهار وتسير ليلاً فقط

وصار الراعي يسمع عواء الذئاب من حوله

فقالت بنت الشيخ للراعي إننا بأرض خوف

يكثر فيها الحنشل وقطاع الطرق وهذه أصواتهم

ولا نجاة لنا إلا بأن يروا منك بأساً شديداً

كمن الراعي في إحدى الشجيرات

ولما وصله أول الحنشل طعنه بخنجره

ثم قطعه أوصالاً ورمى كل قطعة منه باتجاه

وكرر الأمر مع الحنشل الثاني

فلما عثر الآخرون على الأشلاء مقطعة

داخلهم خوفٌ شديدٌ وقالوا لبعضهم :

هؤلاء قومٌ قساة ٌ لا طاقة لنا بهم
ولا خير من التعرض لهم0

فلاذوا بالفرار مؤثرين السلامة على الفود

عادت الناقة للسير في النهار

فكان ذلك إشارة أمان

فقالت إبنة الشيخ لقد اقتربنا من ديار أهلي

فانظر إلى وسم الحلال

ولما وجده على بعض القطعان

أمرته أن يتوجه للسؤل عن الشيخ والدها

وبقيت هي مع قطيع الإبل

كل ذلك والراعي لايكلم الفتاة إلا عن بعد

وهو معطيها ظهره ولم يرى وجهها مطلقاً

وصل الراعي إلى بيت الشيخ في حالةٍ لم يعرفه بسببها

إذ طالت لحيته واسودت بشرته

وتمزقت ملابسة حتى باتت لاتستره

فظن من رآه أنه مصابٌ بالمس والجنون

نادى الشيخ على ملابس ٍ رماها على الراعي

فدعا له الراعي قائلاً :
الله يستر عليك كما سترتني 0

وبعد أن لاحظ أن قومه قد جمعوا له إبلاً

بدل الإبل المفقودة

لكن من يعوضه عن فقدان ابنته

سأل الشيخَ إن كان عرفه أم لا

حيث لم يعرفه أحدٌ في المجلس

عند ذلك كشف الراعي عن شخصه الحقيقي

وروى أمام القوم قصته

أرسل الشيخ بطلب العارفة والقاضي

و أمرهم أن يحكموا في القضية التي أمامهم

فللبادية أعرافهاو قوانينها

حتى مع الشيوخ و بناتهم

قرر القوم إرسال أخو البنت ومعه شهود عدول

فلما وصلوا كانت نائمة لكثرة التعب

ولشدة ما عانته من أهوال ومصاعب

ولشعورها بالأمان في ديار أهلها

فما أحست إلا ورجل يعصب عيونها

ويحرك يده على جسدها كمن يداعبها

فقالت معاتبة منتهرة :
فلان ( الراعي ) ماهذا العهد بك
وش بلاك يامعدوم أبعد كل الأمانة تخون اليوم 0

عاد الأخ و الشهود فأسمعوا المجلس إفادتهم

ولكن قد يكون في الأمر مكيدة و تدبير مسبق

فكان القرار التالي :
أن يقوم الراعي بتروية الإبل وسقيها جميعها

دون استراحة أو توقف

و أن تقوم الفتاة بإرسال الإبل واحدة واحدة

وهذا ماكان غير أن بكرتين آخر ما بقي من القطيع

اقترنتا مع بعضهما حاولت الفتاة إفرادهما فكادتا أن تعيياها

فهوت على إحداهن بوتد في يدها

فوقعت البكرة صريعة على الأرض

عند ذلك طلبوا من الراعي أن يلحق بالبكرة التي بقيت حية

وأن يمسكها راكضاً

وهو الذي لم يكد ينتهي بعد من نضح الماء بالدلاء

لكنها معركة من أجل الكرامة والشرف والمحبة

فلا مجال للهزيمة فيها

فما هي إلا لحظات وإذ به يمسك بالبكرة من ذنبها

ثم يشدها بعزم الرجال الأمناء الأوفياء الأقوياء

فيرميها على الأرض لتتسابق إليها سيوف النحر

كما جرى مع البكرة الأولى

ويتسابق القوم إلى تهنئة الشيخ و الراعي والفتاة

فقد بانت الأدلة جلية واضحة على طهرهم وعفتهم

ويأمر الشيخ بنصب خيمة كبيرة لصهره

وأن تزف إليه الفتاة فهو الجدير بها

كما أمر أن يساق القطيع الذي كان يرعاه

إلى تلك الخيمة هبة ً منه وعربون محبة وتقدير

وما زالت الأرياف والبوادي إلى اليوم

تحكي قصة الراعي و بنت الشيخ 0